يرى المحللون أن البنوك المركزية في الخليج تتبني سياسات نقدية توسعية تتناقض بشدة مع النمو الاقتصادي القوي الذي تشهده بلادهم مما قد يعرضها لمواجهة مشكلات مستقبلية.
ففي شهر ابريل الماضي, قام البنك المركزي القطري بخفض اسعار الفائدة الاساسية بحوالي نصف نقطة مئوية رغم النمو الاقتصادي القوي للبلاد كما قام أيضا بخفضها مجددا في شهر اغسطس السابق في الوقت الذي ارتفع فيه الائتمان المحلي بما يقارب 20%.
وحافظت السعودية على اسعار الفائدة عند 2% بعد خفضها الى مستوى يقارب مما كانت عليه ابان فترة الركود في عام 2009, رغم التوقعات بنمو اجمالي الناتج المحلي وصعوده في العام الجاري الى 6.2%, وفقا لمسح أجرته رويترز على بعض المحللين.
أما معدل الريبو في الامارات فيبلغ 1% وهو اقل منه في منطقة اليورو رغم ان النمو الاقتصادي في البلاد بالعام الجاري من المتوقع ان يصل الى 3.8%.
وقامت دول الخليج بتوسيع السياسة المالية أيضا في العام الحالي ودفعت بزيادة الانفاق المحلي لكبح جماح الاحتجاجات الاجتماعية وتجنب عدم الاستقرار وتغير الانظمة ببعض الدول في العالم العربي. واعلنت السعودية عن زيادة الانفاق بنحو 130 مليار دولار(477.5 مليار درهم) كما دفعت عمان بزيادة الانفاق في موازنة العام الجاري بأكثر من 10% عن خطتها الاولية وتعتزم استمرار الانفاق بمستويات مرتفعة في العام القادم.
وعلى المدى طويل الأجل, يرى بعض خبراء الاقتصاد ان البنوك المركزية بدول الخليج تخاطر بتكوين مشاكل مستقبلية على شكل فقاعات أصول أو تضخم.
وقال صندوق النقد الدولي في الشهر الماضي من أن السياسات التوسعية النقدية لدول الخليج مازالت مناسبة الا أنه لفت الى ضرورة استعداد صناع السياسات الى تغيير السياسات النقدية والمالية اذا ظهرت الضغوط التضخمية أو فقاعات الائتمان.
وأوضح الصندوق أن السياسات المالية والنقدية على المدى طويل الأجل ينبغي ان يعاد صياغتها لتحسين القدرة على خفض الاستهلاك وامتصاص الصدمات بالاضافة الى تعزيز الاستقرار المالي.
ومن جهة آخرى, فان لدول الخليج اسباب قوية لتبني سياسات التوسع النقدي حيث ان جميع الدول تقوم عملاتها بالدولار الامريكي باستثناء الكويت, فمع حفاظ الولايات المتحدة على اسعار الفائدة عند مستوى منخفض للغاية, فان الخليج سيواجه مخاطر تدفقات الاموال الساخنة اذا ترك بشكل كبير اسعار الفائدة دون تغيير.
ويبدو أن ذلك كان حافزا وراء قيام قطر بخفض اسعار الفائدة في شهر اغسطس الماضي حيث جاءت تلك الخطوة بعد يوم واحد من قيام البنك الاحتياطي الفيدرالي الامريكي بالحفاظ على اسعار الفائدة عند مستوى يقترب من الصفر لمدة عامين آخرين على الاقل. ويرغب المركزي القطري في خفض تدفقات الاموال المضاربة "الاموال الساخنة".
وذكرت رويترز ان هناك سببا أعمق لتبني البنوك المركزية بالخليج لسياسات التوسع النقدي وهو النمو الاقتصادي المتباين وعدم تعافي الاسواق العقارية والبورصات من الهبوط الذي شهدته في عامي 2008 و2009. ومن الجدير بالذكر أن مؤشر سوق دبي المالية مازالت قريبة من أدنى مستوياتها منذ عام 2004. ويضر أيضا ضعف الاسواق العالمية باسعار الاصول في الخليج.
وعلى صعيد آخر, فعلى الرغم من أن نمو الاقراض الى القطاع الخاص بلغ اعلى مستوياته في 28 شهرا عند 9.2% في السعودية بشهر اغسطس الماضي الا أنه بالكاد يتعافي من المستوى المنخفض الذي شهده لاقل من 5% خلال فترة طويلة في العام الماضي. وارتفعت وتيرة الاقراض المصرفي في الامارات الى اعلى مستوى لها في 18 شهر عند 3.5% في شهر سبتمبر الماضي.
وقال "بول جامبل" مدير البحوث بشركة "جدوى للاستثمار" في الرياض أنه من بين الاسباب التي دفعت الحكومات للحفاظ على اسعار الفائدة عند مستوى منخفض خلال الوقت الراهن هو رغبتها في تعزيز المزيد من الاقراض المصرفي.
ويرى "في شانكار" المدير التنفيذي لبنك ستاندرد تشارترد لاوروبا والشرق الاوسط وافريقيا والامريكتين, أن أزمة منطقة اليورو تزيد المشكلة سوءا حيث ان حوالي 50% من القروض المشتركة الخارجية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا جاءت من مؤسسات اوروبية خلال السنوات الاخيرة الماضية. وتقوم العديد من البنوك الاوروبية في الوقت الراهن بتقليص انشطتها الجديدة مما يعني ان العديد من الشركات التي تتمتع بوضع جيد ستحتاج لتقليل طموحاتها.
وهذا ما يدفع البنوك المركزية الى الحفاظ على اسعار الفائدة عند مستوى منخفض للغاية في محاولة منها لدعم القطاع الخاص رغم ان النمو الاقتصادي يتمتع بوضع قوي.
|