سامح قاسم يكتب: النَّعِيمُ لَا يَمْسَحُ عَنْ الرُّوحِ غُبَارَ الغُرْبَة
الأربعاء 08 april 2015 10:23:00 مساءً
سامح قاسم
"لا يمكنك إجبار نفسك على الإحساس بشيء لا تحسه، لكن بإمكانك إجبار نفسك على القيام بما هو صحيح بغض النظر عن أحاسيسك"، معك كل الحق يا بيرل باك، وبناء على مقولتك التي جاءتني في الوقت المناسب قررت ألا أجبر نفسي على الإحساس بجمال ونظافة تلك البلاد البعيدة أو الإعجاب بأناقة أهلها ورقيهم والنظام الذي بات نمطا عاديا في حياتهم اليومية لا لشيء سوى أن كل هذا الجمال ما كان إلا وردة اصطناعية نبتت في رمال مشربة بالزيت ولا يمكن أن تستحيل إلى وردة بلدية لأنه وببساطة لم يتوفر لها طمي بلادي.
شكرا لك يا بيرل على مساعدتك لكن اسمح لي أن أصف لك ما كنت أشعر به هنا قبل أن تهديني مقولتك لعلك تعرف كم أقدر لك حسن صنيعك:
"حقيبة على السير، ورءوس كثيرة بألوان مختلفة، قدمان على الممر، باب مفتوح بيد فتاة شائهه، مقعد له حزام ورأس حديدية، صيني جلف يملأ المقعد المجاور، أدعية وأصوات محركات، أمعاء منزلقة علي الركبتين، بيوت تأخذ في التصاغر، لون سماوي انسكب على الكون، 4 ساعات بين المقعد والاستئذان المتكرر للصيني الجلف، للمرور للحمام الخانق وبين لون الأسفلت الأسود الصلد. 20 يوما بين بوابات حديدية تفتحها فلبينية قصيرة نسيت أمها أن تمنحها صك الحسن، وبين هندي خلف طاولة تدرب جيدا على أن يمنحك ابتسامة محايدة، وبين غرفة بسريرين ينقصها الونس، وبين هندي آخر يحمل الحقيبة ولا ينتظر "البقشيش" ليضعها في تاكسي له لون الموت، ومقود يقبض عليه هندي يدعي أنه من بنجلاديش ويصف لي المدينة البلاستيكية بأنها وكر أنيق للبغاء، اقتسمت معه الأجرة لأنه لن يعطيني ما يفيد أنني التقيته أو استمعت لثرثرته هذا النهار، باب مفتوح ورءوس لها ألوان كثيرة، ردهات ملتوية كحيات خرجت للتو من جراب حاو محنك في آخر احداها باب علي يمينه الفتاة الشائهة نفسها والمقعد نفسه والمقعد المجاور له، وبين افتقادي للصيني الجلف والخيبة وشخير العجوز، التي نسيت رأسها على كتفي وصوت المحركات واللون السماوي الذي يصبغ الكون من حولي انتظرت الأسفلت الصلد وأي كتف أضع عليه رأسي وكثير من الخيبات ومهمة إيجاد تاكسي (أبيض x أسود) لتغيب عني رائحة الموت ولونه.