بعد شهر من الذكرى السنوية الأولى للثورة التونسية، تشهد المناطق الغربية الفقيرة الآن موجة من الإحتجاجات العمالية التي يدعمها الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو الاتحاد العمالي الرئيسي في تونس.
ويعاني الجزء الغربي من البلاد تاريخياً من عدم تطويره وتجاهله من المناطق الساحلية الغنية المهيمنة. وكان هذا التفاوت من الأسباب الرئيسية للاضطرابات الإجتماعية في المنطقة، على الأقل منذ استقلال تونس عام 1956.
وبالفعل بدأت الثورة التونسية العام الماضي من مدينة سيدي بوزيد غربي البلاد، ولعبت الحركة العمالية التونسية دوراً مهماً منذ إضراب مدينة قفصة عام 2008، الذي نظمه الجناح المتشدد للاتحاد العام التونسي للشغل، والذي ينظر إليه على أنه كان تمهيداً للثورة الأخيرة.
ويظل الفقر والكتابات الثورية (الجرافييتي) العالقة على الجدران في قفصة والقرى القاحلة من حولها، يمثلان تذكيراً صارخاً بما وصلت إليه تونس منذ العام الماضي، والمسافات التي يتوجب عليها قطعها لتحقيق آمال الثورة.
فالواقع أن الحكومة التونسية ما زالت تواجه تحديات صعبة أمام خلق فرص العمل ومكافحة عدم المساواةوتتميز مدينة "قفصة" غرب تونس والمنطقة المحيطة بها بوجود مناجم الفوسفات الغنية، وبالتعدين المربح للغاية. إلا أن القليل من هذه الأرباح يصل للعاملين في المناجم ولسكان قفصة، الذين طال إستغلالهم من جانب النخب الساحلية.
وجاءت ثورة العام الماضي والإنتخابات اللاحقة لتحيي آمال أهالي قفصة بقرب إنتهاء عقود من الفساد والتحيز ضد المنطقة، إلا أن آمالهم سرعان ما ذهبت أدراج الرياح ولم يبق سوى خيبة الأمل.
وطبقًا لوكالة "IPS"، فالمؤلم أن مشاكل أهل قفصة لا تنتهي بالهجرة إلى المناطق الساحلية المزدهرة نسبياً، ويسهل التعرف عليهم وعلى أهل المناطق المشابهة من لهجتهم المميزة. ونتيجة لذلك، فهم يواجهون تمييزاً واضحاً على نطاق واسع.
هذا وقد تفجر الغضب على هذا الظلم في كثير من الأحيان، حتى خلال فترة الديكتاتورية عندما كان النظام الاستبدادي يؤيد الوضع الراهن بقوة. فبعد تسريح اعداد كبيرة من العمال عام 2008، نظم سكان محافظة قفصة إضراباً شاملاً لم ينته إلا عندما بدأت الشرطة بإعتقال وتعذيب المنظمين، وإطلاق النار على المتظاهرين في الشوارع.
ولعب الإتحاد العام التونسي للشغل دوراً غامضاً في كل من إنتفاضة قفصة عام 2008 والثورة التونسية في وقت لاحق، وذلك بالرغم من إعتراف النظام الدكتاتوري السابق بالإتحاد العام التونسي للشغل، الذي امتلأت مواقعه الإلكترونية المميزة دائماً بالمتملقين الأكثر ولاء للنظام من ولائهم لناخبيهم.
ومع ذلك، كان الإتحاد العام التونسي للشغل معروفاً بكونه تقدمياً متشدداً ومؤيداً للديمقراطية. وقبل الثورة كان الإتحاد العام التونسي للشغل هو المؤسسة الوطنية الكبرى الوحيدة التي يمكن لمنتقدي نظام الحكم أن يحصلوا داخلها علي درجة ما من السلطة. ومنذ قيام الثورة، كان الاتحاد في طليعة المطالبين بقدر أكبر من المساواة الإقتصادية والإقليمية.
وفي حديث هاتفي، أعرب الكاتب العام المساعد للإتحاد الجهوي للشغل بقفصة، محمد الصغير ميراوي، عن دعمه للتظاهرات، متحدثاً عن شكاوى الناس الآخرين في منطقته.
وقال إن عمال المناجم قد تصدوا بالفعل للحكومة السابقة وهم يطالبون بالمزيد من الحقوق. وأضاف، "نحن نطالب بحقنا في العمل، فنسبة البطالة تقترب من 60 في المئة في بعض مناطق محافظة قفصة".
وأوضح "كذلك فنطالب بتعويضات لعائلات الشهداء الذين ماتوا (في ثورات 2008 و2011)، وبالتأمين الطبي للحوادث في مكان العمل، والضمان الإجتماعي للموظفين المتقاعدين. وهذه الحقوق لم تستجب لها أية حكومة أبداً. ولم نحصل إلا على الكلمات.
وقال، "فيما يتعلق بأية إضرابات أو إعتصامات قادمة، فإن الإتحاد العام التونسي للشغل لديه موقف واضح بهذا الشأن. فنحن نرحب بالاعتصامات السلمية وندعمها، بشرط ألا تؤثر على النظام العام أو على عمل الشركات. ومع ذلك، يدين الإتحاد العام التونسي للشغل أية إعتصامات تقوم بإغلاق الطرق ومنع العمال الآخرين من القيام بعملهم".