الدكتور احمد صادق القشيري، خبير القانون الدولي
قال الدكتور احمد صادق القشيري، خبير القانون الدولي ومحكمة العدل الدولية بأنه علي الدول العربية ان تتحرك وسريعا بأتجاه محكمة العدل بشأن ملف القدس المحتلة، مشيرا الي ان النظام الدولي المعمول به في ظل ميثاق الأمم المتحده يتضمن نصا قاطع الدلاله علي ان المحكمة هي الجهاز الرئيسي الذي يتعين الرجوع اليه لمباشرة الرقابة علي المشروعيه الدوليه فالمحكمة وحدها صاحبة الولاية في تقرير ما اذا كان تصرفا معينا قامت به دولة من الدول الأعضاء يعد مطابقا أو مخالفا لمتطلبات القانون الدولي .
وقال القشيري أنه في أعقاب صلح وستفاليا الذى شهد إرهاصات نشأة مجتمع دولي يضم دولاً قومية حديثة بدأت من خلال كتابات جروشيس وزملائه فكرة وجود تنظيم قانونى تحكم قواعده العلاقات الدولية بين مختلف أعضاء المجتمع الذى يضم شعوب العالم الحديث المتمدين.
وظل التطور يأخذ مساره في تأصيل تلك القواعد الملزمة إلى أن استقرت بنهاية الحرب العالمية الثانية في صورة "جماعة دولية" متماسكة يحكمها نظام عالمى يتمثل في منظمة الأمم المتحدة التي تمثل دستورها في ميثاق سان فرانسيسكو عام 1945.
وقال ان هذه "الجماعة الدولية" شعوب ودول العالم التي اجمعت على نبذ الحرب كوسيلة لحل المنازعات بين الدول وفى ذات الوقت تبنت قواعداً منضبطة تكفل سيادة القانون الدولى، ونظمت الوسائل السليمه التي يتعين اللجوء إليها بما في ذلك الخضوع لمحكمة العدل الدولية وصولاً إلى حلول ملزمة إذا تعذر الحصول على حلول مقبولة في إطاري مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفى هذا الإطار يتعين ان تتجه الأنظار لمواجهة الاعتداء الخطير الذى يواجه الآن الجماعة الدولية نتيجة الخروج السافر للولايات المتحدة الأمريكية عن أصول ومبادئ القانون الدولي بتقرير مصير إقليم خارج عن سيادتها لصالح دولة صديقة تحتل أراضي للغير بالمخالفة لكافة القواعد والمواثيق الدولية بما فيها مقررات الأمم المتحدة الصادرة وفقاً لميثاقها.
وأضاف القشيري، فى تقديري أن هذا الخروج عن الشرعية الدولية ليس له سوى علاج واحد في ظل التنظيم القائم الذى يوجب الحل السلمى، وذلك عن طريق إدانة ما تم من تصرفات مخالفة للقانون الدولى من جانب كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة الأمريكية. فإذا لم تنجح الجهود داخل مجلس الأمن وفى الجمعية العامة وصولاً إلى إدانة قرار
الرئيس الأمريكي الحالي المخالف للقانون الدولى، والصادر في 6/12/2017 من منطلق الحفاظ على شعبية سعى إليها خلال انتخابات داخلية استغل فيها قرارات ذات طابع سياسى كان الكونجرس الأمريكي قد وافق عليها عام 1995 في مجال المزايدة على تدليل دولة إسرائيل، وإن كان الرؤساء المتعاقبون قد ظلوا يرفضون المثول لها لأكثر من عقدين من الزمان تجنباً لعدم المشروعية الدولية.
مشيرا الي ان النظام الدولى المعمول به في ظل ميثاق الأمم المتحدة يتضمن نصاً قاطع الدلالة على أن محكمة العدل الدولية هي الجهاز الرئيسي الذى يتعين الرجوع إليه لمباشرة الرقابة على المشروعية الدولية. فالمحكمة وحدها صاحبة الولاية في تقرير ما إذا كان تصرفاً معيناً قامت به دولة من الدول الأعضاء يعد مطابقاً أو مخالفاً لمتطلبات القانون الدولى. والمحكمة تمارس هذه الولاية عن أحد طريقين؛
أولهما : الرقابة القضائية في صورتها الكاملة الإلزامية من خلال دورها الذى تباشره عن طريق حكم واجب النفاذ وحائز لقوة الشيء المقضي به بين الأطراف التي قبلت الخضوع الإلزامي للمحكمة؛
وثانيهما : عند تخلف ذلك القبول الإلزامي، عن طريق إصدار آراء استشارية بناءً على طلب من أحد أجهزة المنظمة الدولية، وهى عادة الجمعية العامة إذا ما تعذر الوصول إلى حل مقبول للجميع صادر من مجلس الأمن نتيجة ممارسة إحدى الدول دائمة العضوية لحق الاعتراض (الفيتو)، كما حدث في عام 2004
بالنسبة للجدار الذى قامت إسرائيل بإقامته بالمخالفة للقانون الدولى.
وقال القشيري انه على الولايات المتحدة الآن أن تثبت احترامها لسيادة القانون الدولي بإعلان قبولها الخضوع لولاية محكمة العدل الدولية في هذا الشأن، وعلى الدول التي تتمسك بالشرعية الدولية أن تسعى فوراً لتحريك اللجوء إلى الأمم المتحدة مع الإعداد الجيد من الآن لقضية القرن أمام محكمة العدل الدولية لتقول كلمتها في هذه المخالفة الخطيرة للشرعية الدولية من جانب دولة ظلت تفاخر العالم بأنها الديموقراطية الأولي التي تحترم سيادة القانون.
وشدد الدكتور القشيري علي دور جامعة الدول العربية بأنه لمواجهة متطلبات الإعداد المطلوب للمعركة القانونية التي فرضتها السياسة الأمريكية المخالفة لمتطلبات القانون الدولي، لعله من المناسب أن تشرع جامعة الدول العربية في الإعداد فوراً لمؤتمر عالمي تدعو إليه كبار المتخصصين في القانون الدولي من الأساتذة والباحثين في المراكز المتخصصة سواء من العرب أو غيرهم في كافة أنحاء العالم ممن يؤمنون بسيادة القانون وضرورة احترام قواعده، وذلك كي تصير الأبحاث والأوراق المقدمة في هذا المؤتمر العالمي نواة صلبة للجهود التي يتم من خلالها إدارة النزاع المتعين طرحه على محكمة العدل الدولية في أقرب فرصه ممكنة.
واضاف أنه إذا قامت الولايات المتحدة الأمريكية، برفض الخضوع إرادياً للولاية القضائية للمحكمة مؤثرة أن تسير على نهج الدول المارقة المناهضة للشرعية الدولية التي تأبى قبول رقابة القضاء الدولي لمشروعية تصرفاتها التي تمس حقوق الغير، فلا يكون أمام المجتمع الدولي حينذاك سوى اللجوء إلى ذات الحل الذى مارسته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2003 عندما طلبت من المحكمة النظر في مدى مشروعية بناء الجدار الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، والذى جاءت نتيجته وفقاً للرأي الاستشاري الصادر في 9 يوليو عام 2004 بعدم مشروعية ما قامت به السلطات الاسرائيلية بحكم شبه اجماعي صدر بموافقة 14 قاضياً ضد صوت واحد انفرد به القاضي الأمريكي.
وقال القشيري فى تقديري أن إعادة التجربة لمواجهة قرار الرئيس الأمريكي ترامب ستأتي بذات النتيجة، خاصةً وأن كل ما يمكن أن تسفر عنه الحجج الأمريكية المتعلقة بالدفع بعدم الاختصاص والدفع بعدم جواز القبول كان قد سبق أن واجهته المحكمة عام 2004، وتولت الرد عليه في الفقرات ما بين 14- 64 في أكثر من 20 صفحة، قبل أن تنتهى في الفقرة 65 إلى تقرير اختصاصها بنظر النزاع المطروح وأنه لا يوجد ما يحول دون إمكانية ممارسة المحكمة لاختصاصها في هذا الشأن، وهو ما عادت لتأكيده في المنطوق الصادر بالاختصاص إجماعياً وفى مجال مناسبة ممارسة هذا الاختصاص بأغلبية الـ 14 قاضياً ومعارضة القاضي الأمريكي. وبالنسبة لعدم مشروعية ما قامت به إسرائيل بالمخالفة للمقررات الدولية جاء الرأي من حيث الموضوع مقرراً لعدم المشروعية للمخالفة لقواعد القانون الدولي
بذات الأصوات الـ14 كما حدث مؤخراً في مجلس الأمن ضد قرار الرئيس الأمريكي الجنسية الصهيوني الهوى.