قدم مرصد «صحفيون ضد التعذيب» عرضًا إحصائيًا نوعيًا حول انتهاكًا ضد الصحفيين والإعلاميين في كافة أنحاء الجمهورية والذى بلغ (222 انتهاكًا خلال الربع الأول لعام 2016).
وقال المرصد: تضاعف معدل الانتهاكات خلال هذا الوقت من العام بنسبة نمو تقدر بـ 77.6% بالمقارنة بالربع الأول من عام 2015 الذي شهد 125 واقعة انتهاك، مما يوضح نهج الدولة المصرية بكافة أطرافها في مواصلة خنق المجال العام والازدياد في حالة التعتيم الإعلامي.
سجل المرصد 222 انتهاكًا ضد الصحفيين والإعلاميين في كافة أنحاء الجمهورية أثناء أداء عملهم خلال الربع الأول لعام 2016، حيث وثّق فريق عمل المرصد 73 حالة إما عن طريق شهادات مباشرة أو عبر الفريق الميداني بنسبة تتخطى 32.88%، (أي ما يقرب من ثلث الوقائع المُسجلة وهي نسبة ارتفعت مؤخرًا لدى المرصد)، كما تم تسجيل 149 حالة عن طريق مصادر صحفية مختلفة، مع مراعاة أنه هناك العديد من الانتهاكات الجماعية والتي تحدث بشكل يومي دوري، مثل حالات المنع من التغطية خاصة داخل أروقة المحاكم خلال نظر القضايا على خلفية أحداث سياسية.
وتوزيع الانتهاكات وفقًا لدرجة التوثيق كالآتي:
المنع من التغطية أبرز الانتهاكات كما جرت العادة:
خلال الربع الأول من عام 2016، تعرض الصحفيون والإعلاميون لأنواع مختلفة من الانتهاكات، والتي كانت أبرزها واقعة المنع حيث سجل المرصد عدد 114 واقعة "منع من التغطية أو مسح محتوى الكاميرا" بنسبة أكبر من 50% من إجمالي الانتهاكات، ثم تلتها حالات التقاضي "تقديم بلاغات ومحاضر" بعدد 41 واقعة، وفي المرتبة الثالثة جاءت وقائع "تعدٍ بالقول أو التهديد" بعدد 16 انتهاكًا.
أيضًا، سجّل المرصد 11 واقعة "تعدٍ بالضرب أو الإصابة"، و7 وقائع "قبض وتوجيه اتهامات"، وكذلك 6 وقائع "استيقاف أو احتجاز للتحقيق"، فضلًا عن 5 حالات "فرض غرامة مالية"، و4 حالات في كل من: "أحكام بالحبس"، و"منع النشر"، و"اختطاف أو التحفظ على معدات صحفية"، إضافة إلى 3 وقائع في كل من: "منع إذاعة أو بث مؤقت"، و"إتلاف أو حرق معدات صحفية"، وحالتي "تعدٍ بالضرب أو الإصابة داخل مكان احتجاز"، فيما سجل حالة واحدة في كل من: "تحقيق إداري"، و"إخلاء سبيل بكفالة مالية"، و"اقتحام مقر ".
الجهات الحكومية والداخلية تترصد بالوسط الصحفي:
وفقًا لما رصده التقرير، تصدرت "جهات حكومية ومسؤولون" قائمة جهة المعتدي ضد الصحافة والإعلام؛ حيث جاءت بعدد 158 انتهاكًا، وتلتها فئة "مدنيون" بعدد 27 واقعة انتهاك، فيما سجلت "وزارة الداخلية" عدد 24حالة، و13 واقعة مسجلة لمؤسسات "القضاء".
الوسائل الإعلامية الخاصة تواجه معظم الانتهاكات:
ووفقًا لما سجله المرصد، فقد جاء مراسلو "الصحف المصرية الخاصة" في صدارة قائمة نوع جهة عمل الضحية الأكثر تعرضًا للانتهاكات بعدد 81 انتهاكًا، وجاء من بعدهم مراسلو "القنوات الفضائية الخاصة" بعدد 26 انتهاكًا، و7 انتهاكات لكل من: مراسلي "الصحف المصرية الحكومية"، ومراسلي "شبكات أخبار وصحف إلكترونية"، كما تم تسجيل 4 انتهاكات بحق مراسلي "القنوات الفضائية الحكومية"، كما تم تسجيل انتهاك واحد بحق كل من "إذاعات خاصة" و"النقابات".
العاصمة وحدها تشهد على أكثر من نصف الانتهاكات:
طالت الانتهاكات معظم محافظات الجمهورية، ولكن كانت "القاهرة" في صدارة قائمة المحافظات الأكبر من حيث عدد وقائع الانتهاكات بعدد 122 انتهاكًا، ثم تلتها محافظة "الجيزة" في المرتبة الثانية بعدد 57 انتهاكًا، وجاءت "الإسكندرية" في المرتبة الثالثة بعدد 11 حالة انتهاك، ثم محافظة "أسوان" 8 انتهاكات، وسجلت كل من "دمياط" و"الأقصر" 4 انتهاكات لكل منهما، فيما سجلت "بني سويف" ثلاثة انتهاكات، بينما سجلت محافظات "المنيا" و"القليوبية" و"الإسماعيلية" حالتي انتهاك لكل منهم، وأخيرًا تم تسجيل حالة انتهاك واحدة في كل من "قنا" و"الغربية" و"الشرقية" و"السويس" و"الدقهلية" و"الوادي الجديد".
قارنة إحصائية وتحليلية موجزة بين الربع الأول لعامي 2015 و2016
من خلال قراءة سريعة للانتهاكات بين العامين؛ يتضح أن "المنع من التغطية أو مسح المادة التصويرية" هو الانتهاك الأكثر بروزًا في العامين، حيث سجل المرصد خلال الربع الأول من العام الجاري 114 واقعة في مقابل واقعة 56 خلال عام 2015، بمعدل أكبر من ضعف عدد الانتهاكات، مما يبرز ويوضح منهجية غالبية جهات الدولة في تعاملها مع وسائل الإعلام والصحفيين، حيث أصبح المنع من التغطية عقبة تتعرض لها الجماعة الصحفية من كافة الأطراف سواء مسؤولين أو مؤسسات حكومية أو أفراد وجهات غير تابعة للدولة، وبرز ذلك بشكل أكبر خلال عام 2016 حيث أنه هناك حالات عديدة يومية من المنع داخل أروقة المحاكم خلال تغطية جلسات القضايا المختلفة على خلفية سياسية فتحولت إلى حدث معتاد وطبيعي مخالفًا بذلك علنية الجلسات، وأيضًا أصبح الصحفيون يمنعون من التغطية في الشوارع والميادين والمحاكم والمستشفيات من جميع الجهات المتداخلة في الأحداث، فصار الجميع يخشى الصورة إذا لم تكن في صالحة.
ولم تقف الانتهاكات ضد الصحفيين عند هذا الحد، ففي الربع الأول لعام 2016 تم تسجيل 41 واقعة تقاضي (تقديم بلاغات ومحاضر) بينما في المقابل لم يتم تسجيل أي واقعة خلال الفترة المناظرة من عام 2015، وهو ما يظهر حالة التربص الشديدة هذا العام بالعاملين بالصحافة من خلال الملاحقات القضائية، والتي جاءت غالبيتها بواسطة مسؤولين حكوميين، كنوع من أنواع تكميم الأفواه وغلق المجال العام.
إضافة إلى ذلك، فقد زادت حالات "تعدٍ بالقول أو التهديد" من 6 مرات خلال الربع الأول من عام 2015 إلى 16 واقعة خلال نفس الربع من عام 2016، ومن قراءة الحالات يتضح إن بعض الحالات المستجدة ترتبط بتهديدات من نواب بالبرلمان المنتخب منذ شهور قليلة، وهناك حالات آخرى مرتبطة بتغطية مباريات رياضية، وهو ما يعكس حالة التوتر الناشئة بين الأطراف المتداخلة في الرياضة المصرية سواء قوات الأمن أو إدارات الأندية أو روابط الجماهير.
ومن الظواهر المُلاحظ انحسارها بشكل كبير خلال الربع الأول من هذا العام مقارنة بنظيره من العام الماضي، هو انتهاكي "تعدٍ بالضرب أو الإصابة" و"استيقاف أو احتجاز للتحقيق"، حيث أنه بشأن "التعدي بالضرب أو الإصابة" فقد سجل المرصد 25 حالة ف الربع الأول لعام 2015 مقارنة بـ 11 حالة فقط في الفترة المناظرة للعام الحالي، بينما في حالة "الاستيقاف والاحتجاز للتحقيق" فقد تم رصد 29 انتهاك في الربع الأول لعام 2015 مقابل 6 فقط في نفس المدة للعام الحالي، وهذا يمكن إرجاع أسبابه إلى قلة الأنشطة الصحفية الميدانية والتي ترتبط بالفعاليات والتظاهرات والأحداث السياسية -حيث تكون هناك حالات عنف وكر وفر وملاحقات بين طرفي المتظاهرين وقوات الشرطة- والتي تقلصت بصورة كبيرة هذا العام مقارنة بعام 2015، تحديدًا في الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير 2015 مقارنة بنظيرتها الخامسة في عام 2016، والتي لم تشهد سوى فعاليات ميدانية محدودة للغاية.
كما يتضح أنه هناك أنواع عديدة من الانتهاكات ظهرت في الربع الأول من عام 2016 –بأعداد محدودة- ولم تكن موجودة في 2015، وهي؛ "فرض غرامة مالية" و"أحكام بالحبس" و"منع من النشر" و"منع إذاعة أو بث" و"إتلاف أو حرق معدات صحفية" و"تعدً بالضرب أو الإصابة داخل مكان احتجاز" و"اقتحام مقر" و"إخلاء سبيل بكفالة مالية"، وهو ما يعكس حالات نقل الصراع مع المؤسسات الصحفية إلى ساحات القضايا والقرارات الإدارية المباشرة بالتدخلات في منع المحتوى الصحفي، سواء باقتحام المقرات الصحفية أو إتلاف المعدات أو قرارات منع النشر والبث.
اما وفقًا لجهة المعتدي، فمن خلال تحليل سريع؛ يتضح أن الجهة الأبرز في ارتكاب الانتهاكات تختلف من 2015 إلى 2016، فكانت "جهات حكومية ومسؤولون" هي الأكثر تكرارًا لفعل الانتهاك خلال الربع الأول من عام 2016 بعدد 158 حالة، فيما كانت بعدد 26 حالة فقط خلال نفس الفترة من عام 2015، وهو ما يدلل على حالة التربص والاستهداف غير المسبوقة من المسؤولين والوزراء ومؤسسات الدولة ضد الوسط الصحفي والإعلامي، فنجد أن العديد من الانتهاكات كتقديم البلاغات أو التعديات على الصحفيين تتم بواسطة المسؤولين ذات أنفسهم.
بينما خلال الربع الأول من عام 2015، كان جهة "وزارة الداخلية" هي الأكثر في ارتكاب الانتهاكات بعدد 59 مرة، مقارنة بـ 24 فقط في 2016، وهو ما يعكس تقلص التغطيات الميدانية لانحسار الفعاليات والتظاهرات والتي غالبًا ما يصاحبها تجاوزات من أفراد الأمن تجاه المراسلين الميدانيين والمصورين.
فيما استمر ت فئتا "مدنيون" و"تيارات معارضة لنظام الحكم" بمعدل قريب خلال الربع الأول من عامي 2015 و2016، وهو خير مثال على استمرار معدلات عدم الثقة الكاملة من المجتمع نفسه في أفراد العمل الصحفي، ونقص الوعي بأهمية الكاميرا وحياديتها في نقل ما يجري على أرض الواقع.
وكانت أبرز الظواهر المستجدة في عام 2016 هي جهات "القضاء"، والتي كان لها نصيب 13 انتهاكًا ضد الحريات الإعلامية خلال الربع الأول من العام الحالي، فيما انعدمت خلال عام 2015، وهو ما يتضح منه نقل جزء كبير من المواجهة والاختصام مع الصحافة إلى الجهات القضائية المختلفة بشكل مباشر
الملخص والتوصيات
وبناءً على ما سبق عرضه، ومن خلال المتابعة بالرصد والتحليل والتواصل اليومي، بين فريق عمل المرصد وضحايا الانتهاكات والعاملين بالمؤسسات الصحفية المختلفة والناشطين في المنظمات الحقوقية الداعمة لحرية الصحافة والإعلام، فإن المرصد يوصي بالآتي:
1- العفو الشامل عن كافة الصحفيين المحكوم عليهم بأحكام قضائية بالسجن والآن يقضون فترة العقوبة وهم 5 صحفيون؛ (عبد الرحمن شاهين، ويوسف شعبان، وعبد الله شوشة، ومحمد عبد المنعم، وإسلام البحيري).
2- الإفراج الفوري عن كافة الصحفيين المحبوسين احتياطيًا أثناء أدائهم عملهم الصحفي؛ سواء كانوا على خلفية اتهامات مرتبطة بطبيعة الوقائع التي كانوا يقومون بتغطيتها أو باتهامات مباشرة ترتبط بالمهام الصحفية؛ كبث أخبار كاذبة والتحريض والسب والقذف، وهم 10 صحفيين؛ (محمود محمد عبد النبي، ومحمود أبو زيد، وأحمد فؤاد محمد السيد، وعبد الرحمن عبد السلام ياقوت، وسامحي مصطفى أحمد عبد العليم، ومحمد العادلي، وعبد الله الفخراني، وإسماعيل الإسكندراني، وعمار عبد المجيد، وصبري أنور)، خاصةً في ظل تجاوز بعضهم المدة القصوى للحبس الاحتياطي، كما ينص قانون العقوبات.
3- تفعيل دور نقابة الصحفيين في توفير المظلة الحامية للصحفيين ضد الجهات المختلفة التي تمتهن الانتهاكات اليومية بشكل اعتيادي، وكأنه لا يوجد رادع أو قانون يمكن تطبيقه لحماية الحقوق والحريات الصحفية.
4- تفعيل التشاور المجتمعي بين نقابة الصحفيين والمؤسسات الصحفية والعاملين في المجتمع المدني؛ من أجل الوصول إلى صيغة متفق عليها لتعديل آليات وشروط قيد الصحفيين وتوسيع الإطار الصحفي، ليشمل المنصات الإلكترونية والعاملين المنتظمين بها.
5- دعوة مجتمعية واسعة تشمل منظمات المجتمع المدني إلى المشاركة في تحديد أُطر وصياغة التشريعات الصحفية والإعلامية، وألا تدور بين الغرف المغلقة، ومن ثمَّ الموافقة عليها بدون أية مناقشة مستفيضة وتوافق مجتمعي.